من طرف هانى الثلاثاء مارس 29, 2011 7:50 pm
ومما يعين على التخلق بخلق الصبر أمور هي:
1- دعاء الله تعالى والاستعانة به وعدم العجز؛ فهذا خليل الله تعالى إبراهيم عليه السلام كان يدعو فيقول كما أخبر عنه سبحانه: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)(15) ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعلم معاذاً أن يقول دبر كل صلاة: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)(16). وينهى عن العجز فيقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)(17) وفي كل صلاة؛ بل في كل ركعة نقرأ في فاتحة الكتاب (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
2- تذكر أن طريق الجنة محفوف بالمكاره وطريق النار محفوف بالشهوات؛ فالعبرة بآخر الطريق لا بأوله فمن خاف وصبر نجا وفاز قال عليه الصلاة والسلام: (حُجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)(18). قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: [(وحفت الجنة بالمكاره) يعني أحيطت بما تكره النفوس؛ لأن الباطل محبوب للنفس الأمارة بالسوء والحق مكروه لها، فإذا تجاوز الإنسان هذا المكروه وأكره نفسه الأمارة بالسوء على فعل الواجبات وعلى ترك المحرمات، فحينئذ يصل إلى الجنة. ولهذا تجد الإنسان يستثقل الصلوات مثلاً، ولا سيما في أيام الشتاء وأيام البرد، ولا سيما إذا كان في الإنسان نوم كثير بعد تعب وجهد، فتجد الصلاة ثقيلة عليه ويكره أن يقوم يصلي ويترك الفراش اللين الدافئ، ولكن إن هو كسر هذا الحاجب وقام بهذا المكروه وصل إلى الجنة. وكذلك النفس الأمارة بالسوء تدعو صاحبها إلى الزنا، والزنا شهوة وتحبه النفس الأمارة بالسوء، لكن إذا عقلها صاحبها وأكرهها على تجنب هذه الشهوة؛ فهذا كره له، ولكن هو الذي يوصله إلى الجنة؛ لأن الجنة حفت بالمكاره](19).
3- أن يتفكر في حال الدنيا وأهلها الذين اتبعوا شهواتهم، ونالوا جُلّ لذاتهم، وما شبعوا منها وما قنعوا، ثم ماذا؟ رحلوا عنها وما حملوا معهم ما جمعوا ولا ما اختصموا عليه؛ رحلوا وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ليلقوا شرّ ما عملوا، ولهذا فمتاع الدنيا متاع الغرور، [وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا قال: (اللهم إن العيش عيش الآخرة)(20) وهما كلمتان عظيمتان، فالإنسان إذا نظر إلى الدنيا ربما تعجبه فيلهو عن طاعة الله، فينبغي أن يذكر نعيم الآخرة عند ذلك، ويقارن بينه وبين هذا النعيم الدنيوي الزائل، ثم يُوطن نفسه ويرغبها في هذا النعيم الأخروي الذي لا ينقطع، ويقول (اللهم إن العيش عيش الآخرة). وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فعيش الدنيا – مهما كان – زائل، ومهما كان فمحفوف بالحزن، ومحفوف بالآفات، ومحفوف بالنقص] (21).
4- أن يتذكر ما أعدّه الله تعالى للصابرين على طاعته الصابرين عن معصيته الصابرين على أقداره؛ من الثواب العظيم الذي لا يُقدر بقدر قال سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(22). فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر، ولأجل أن الصوم من الصبر كان أجره أيضاً عظيماً بغير تقدير، كما أن في المصائب تكفير للذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نَصب ولا وَصب ولا هم ولا أذى ولا غمٍ حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه)(23). وفي الحديث: (سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) (24). فمن صبر وخاف نجا وفاز قال الله تعالى حاكياً عن حال أهل الجنة: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (25) صبروا على طاعة ربهم، وصبروا عن معصيته، وخافوا عقابه، فأمّنهم يوم يلقونه وأثابهم خلوداً في جنات النعيم، فهنيئاً لهم.
5- أن الله تعالى قد وعد الصابرين بأنه معهم فقال: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(26) أي أن الصابر مُعان من قبل الله، وأن الله يعين الصابر ويؤيده ويكلؤه حتى يتم له الصبر على ما يحبه الله عز وجل. ولهذا أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصبر ضياء) (27) يعني أنه ضياء يهدي الإنسان عندما تشتد به الكربات إلى الحق، فتطمئن نفسه ويهدأ وجدانه - ولو بعد حين - وينال رضا ربه سبحانه، وعبّر عن ذلك بالضوء؛ لأن الضوء فيه حرارة كضوء الشمس والصبر فيه مشقة كبيرة وتعب(28).
الأخلاق التي تندرج في خلق الصبر:
- الصبر على الطاعة وعن المعصية يسمى استقامة.
- الصبر عن شهوة البطن والفرج يسمى عفة.
- الصبر في القتال يسمى شجاعة.
- الصبر في كظم الغيظ يسمى حلماً.
- الصبر في إخفاء أمر يسمى كتمان السر.
- الصبر عن فضول العيش يسمى زهداً.
- الصبر على قدر يسير من الحظوظ يسمى قناعة.
وبذلك تكون أكثر الأخلاق الإسلامية داخلة في الصبر، واكتساب صفة الصبر يحمل على اكتساب جملة كبيرة من الأخلاق (29