مع الفقراء
د . محمد العريفي
عدد من الناس اليوم أخلاقهم تجارية .. فالغني فقط هو الذي تكون نكته طريفة فيضحكون عند سماعها .. وأخطاؤه صغيرة .. فيتغاضون عنها ..
أما الفقراء فنكتهم ثقيلة .. يسخر بهم عند سماعها .. وأخطاؤهم جسيمة .. يصرخ بهم عند وقوعها ..
أما رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان عطفه على الغني والفقير
سواء ..
قال أنس رضي الله عنه :
كان رجل من أهل البادية اسمه زاهر بن حرام ..
وكان ربما جاء المدينة في حاجة فيهدي للنبي صلى الله عليه وسلم من البادية شيئا من أقط أو سمن ..
فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى أهله بشيء من تمر ونحوه ..
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحبه .. وكان يقول : [ إن زاهراً باديتنا .. ونحن حاضروه ] .. وكان زاهراً دميما .
خرج زاهر يوماً من باديته .. فأتى بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام.. فلم يجده ..
وكان معه متاع فذهب به إلى السوق .. فلما علم به النبي عليه الصلاة والسلام مضى إلى السوق يبحث عنه ..
فأتاه فإذا هو يبيع متاعه .. والعرق يتصبب منه .. وثيابه ثياب أهل البادية بشكلها ورائحتها ..
فاحتضنه عليه الصلاة والسلام من ورائه ، وزاهر لا يبصره .. ولا يدري من أمسكه ..
ففزع زاهر وقال : أرسلني .. من هذا ؟ ..
فسكت النبي عليه الصلاة والسلام ..
فحاول زاهر أن يتخلص من القبضة ..
وجعل يلتفت وراءه .. فرأى النبي عليه الصلاة والسلام.. فاطمأنت نفسه .. وسكن فزعه ..وصار يلصق ظهره بصدر النبي عليه الصلاة والسلام.. حين عرفه ..
فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يمازح زاهراً .. ويصيح بالناس يقول : [من يشتري العبد ؟] ..
[ من يشتري العبد ؟] ..
فنظر زاهر في حاله .. فإذا هو فقير كسير .. لا مال .. ولا جمال ..
فقال : إذا والله تجدني كاسدا يا رسول الله ..
فقال عليه الصلاة والسلام :
[ لكن عند الله لست بكاسد .. أنت عند الله غال ].
فلا عجب أن تتعلق قلوب الفقراء به عليه الصلاة والسلام وهو يملكهم بهذه الأخلاق ..
كثير من الفقراء .. قد لا يعيب على الأغنياء البخل عليه بالمال والطعام .. لكنه يجد عليهم بخلهم باللطف وحسن المعاشرة ..
وكم من فقير تبسمت في وجهه .. وأشعرته بقيمته واحترامه .. فرفع في ظلمة الليل يدا داعية .. يستنزل بها لك الرحمات من السماء ..
[ ورب أشعث مدفوع بالأبواب لا يؤبه له .. لو أقسم على الله لأبره ]
فكن دائم البشر مع هؤلاء الضعفاء ..
إشارة ..
لعل ابتسامة في وجه فقير .. ترفعك عند الله درجات ..