الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه ووالاه بإحسان إلى يوم نلقاه
وبعد
لم يترك النبي أفراد المجتمع الإسلامي رهن علاقات اجتماعية مبنية على المصالح المادية والنفعية , ولا على لقاءات بروتوكولية تخلو من كل العناصر الروحية ,كما هو حاصل في بلاد الغرب , إذ المقياس عندهم ما الفائدة المادية من علاقته حتى بأقرب الناس إليه,وإنما ربط أبناء المجتمع الإسلامي بعضهم ببعض بعناصر أخلاقية إيمانية حتى كأنهم كالبنيان يشد بعضه بعضا كما قال ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )فزرع المحبة في قلوبهم بالكلم الطيب, وسقاها بآيات الله( إنما المؤمنون أخوة) وأعلمهم أن جزاء ذلك ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله(المتحابون فى الله تبارك وتعالى في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء), وجعلهم من سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ( ورجلان تحابا في الله فاجتمعا عليه وافترقا عليه ) فلم تجمعهم الدنيا بتجاراتها وأموالها وملذاتها فاللقاء بهذا قصير والطريق الذي يمشون عليه عسير , لأن أهواء الدنيا تتحكم بها النفوس وأعمال الآخرة تتحكم بها القلوب فتتكشف باختلاف المصالح السوءات وتظهر العيوب والعورات فما إن اختلفت المصالح حتى يدب الشقاق بين الشركاء وتتنافر نفوس الأصدقاء وذلك لانقطاع أسباب اللقاء, فما كان لله يبقى وما كان لسواه يزول , وإن من تجمعهم المحبة في الله والبغض في الله واللقاء في الله والتفرق في الله وهذه هي عرى الإيمان التي ذكرها لنا الحبيب المصطفى , (فعن البراء بن عازب قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أي عرى الإسلام أوسط قالوا الصلاة قال حسنة وما هي بها قالوا الزكاة قال حسنة وما هي بها قالوا صيام رمضان قال حسن وما هو به قالوا الحج قال حسن وما هو به قالوا الجهاد قال حسن وما هو به قال إن أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله ).
وتلك هي حلاوة الإيمان التي يتلذذ بها الصالحون ويستشعر بها المتقون ويتميز بها الأولياء العاملون
(فعن أنس ، عن النبي قال : ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) ( البخاري ).فما هي عناصر اللقاء بين المتحابين في الله؟
1- حب الله وحب رسوله , فأي حب لا يسبقه حب الله وحب رسوله فهو حب شيطاني دنيوي مادي نفعي .فقد جاء أعرابي إلى النبي فقال له (يا رسول الله متى قيام الساعة فحضرت الصلاة فقام رسول الله إلى الصلاة فلما قضى صلاته قال من أين السائل عن الساعة قال أنا قال قال ويلك ما أعدت لها قال والله ما أعدت لها كثير عمل صوم ولا صلاة ولكني أحب الله ورسوله قال أنت مع من أحببت أو المرء مع من أحب قال أنس فما رأيت المسلمين فرحو بشيء بعد الإسلام فرحهم يومئذ)
2- الاستقامة على الطريق فقد قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ). ( وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) وقال النبي عندما قال له أحد الصحابة يارسول الله مرنى فى الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال « قل آمنت بالله ثم استقم ». قال قلت فما أتقى فأومأ إلى لسانه) فمن مقتضى الاستقامة المحبة في الله فلا يعقل من مسلم مؤمن يحب كافرا أو عاصيا أو فاسقا وإذا التقى بهم فمن أجل الدعوة إلى الله والنصح لهم فإن استقاموا فله اجر ذلك من الله سبحانه وإن أصروا تركهم وابتعد عنهم لله.
3- أن تعود أخاك إذا مرض وأن تزوره فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا عاد الرجل أخاه أو زاره ، قال الله عز وجل : طبت وطاب ممشاك ، وتبوأت من الجنة منزلا.) لا بل الأجر أكبر من ذلك بكثير فقد وكّل الله سبحانه بالزائر سبعين ألف ملك يستغفرون له ويدعون له لزيارته لأخيه كما قال النبي (وسلم ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة)لا بل الأجرأكبر من ذلك إنها محبة الله سبحانه وهي المنى والمراد والغاية التي ليس بعدها غاية (إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكا فلما عليه قال أين تريد قال أزور أخا لي في هذه القرية قال هل له عليك من نعمة قال لا إلا أني أحببته في الله عز و جل قال فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته له )
فأكرم بها من مكرمة جزاء من الله سبحانه سببها التواصل والتآزر والتحابب
فالمؤمن يفتقد لإخوانه وأحبابه في ساعة المرض والحاجة والضيق فزيارتك له تخفف كثيرا من آلامه وتنسيه جراحه وتسليه عن مصابه .
4- أن تسدي لأخيك في الله النصيحة ماستطعت إلى ذلك سبيلا,وأن تعلمه بمحبتك له فتحق لك محبة الله (وعن أبي مسلم - يعني الخولاني - قال: دخلت مسجد حمص، فإذا فيه حلقة فيها اثنان وثلاثون من أصحاب رسول الله ، وإذا فيهم شاب أكحل، براق الثنايا، محتب فإذا اختلفوا في شيء سألوه فأخبرهم فانتهوا إلى قوله، قلت: من هذا؟ قالوا: معاذ بن جبل، فقمت إلى الصلاة فأردت أن ألقى بعضهم فلم أقدر على أحد منهم انصرفوا، فلما كان من الغد دخلت، فإذا معاذ يصلي إلى سارية، فصليت عنده، فلما انصرف جلست، بيني وبينه السارية، ثم احتبيت ساعة لا أكلمه ولا يكلمني، ثم قلت: والله إني لأحبك لغير دنيا أصيبها منك، ولا قرابة بيني وبينك. قال: فلأي شيء؟ قلت: لله تبارك وتعالى، قال: فنثر حبوتي ثم قال: فأبشر إن كنت صادقاً، فإني سمعت رسول الله يقول:
"المتحابون في الله تبارك وتعالى في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء".
ثم خرجت فألقى عبادة بن الصامت، فحدثته بالذي حدثني معاذ فقال عبادة رحمه الله: سمعت رسول الله يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال:"حقت محبتي على المتحابين فيّ - يعني نفسه - وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي على المتزاورين فيّ، وحقت محبتي على المتباذلين فيّ، على منابر من نور، يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون".
5- ألا ننسى أدوات المحبة وعناصر ثباتها في القلوب, فمن ذلك إفشاء السلام فقد قال النبي (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلمتوه إذا تحاببتم أفشوا السلام بينكم )
6- ترك كل ما يؤدي إلى زعزة المحبة والتأثير عليها من التباغض والتحاسد والتناجش و الهجران, فقد قال النبي (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال).
فأين المتحابون في الله ؟! أين المتباذلون في الله ؟! أين المتناصحون في الله ؟! أين الذين تركوا اللقاءات المصلحية والعلاقات النفعية والزيارات البروتوكولية وعادوا لبناء علاقات اجتماعية أسرية على أساس من المحبة والتآخي في الله لا لمصلحة أخرى دنيوية تنتهي بانتهاء المصلحة ليعود البناء الأسري الاجتماعي قويا متينا يصمد في وجه العواصف والزلازل.
</B>