اهتدي إبراهيم عليه السلام بفطرته إلي الله وراح يدعو قومه إلي عبادة الله الواحد وترك عبادة الأوثان والكواكب والنجوم فلم يستجيبوا له ، فحطم إبراهيم
عليه السلام أصنامهم ، فأشعلوا له ناراً عظيمة ، وألقوه فيها ، فأنقذه الله منهم ، وجعل هذه النار برداً وسلاماً عليه فلما خرج من النار ظل يدعو قومه فلم يستجب
له غير زوجته سارة وابن اخيه لوط فأخذهما وهاجر بهما إلي فلسطين ومكثوا بها يعبدون الله الواحد ويدعون إليه ..
وبعد مدة من الزمن تعرضت فلسطين إلي جدب ومجاعة فهاجر إبراهيم عليه السلام بزوجته سارة وابن أخيه لوط إلي مصر حيث الرخاء ورغد العيش ..
وكان فى مصر ملك جبار يعشق النساء فعلم بوجود السيدة سارة فى مصر ، وكانت غاية فى الحسن والجمال فأرسل إلي إبراهيم عليه السلام سأله عنها ،
فقال له إبراهيم عليه السلام : هي أختي .
فقال له الملك : ائتني بها . فرجع إبراهيم عليه السلام إلي سارة ، وقال لها : سارة إن هذا الملك سألني عنك ، وإنك أختي وأنه ليس اليوم مسلم غيري
وغيرك وأنك أختي يعني فى الإسلام ، فلا تكذبيني عنده . ثم قام يصلي ويدعو الله أن يحفظها من ظلم هذا الملك .. بينما ذهبت سارة إلي الملك الظالم فلما
دخلت عليه استأذنته أن تتوضأ وتصلي فأذن لها فتوضأت وصلت ثم دعت الله قائلة : اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا علي
زوجي ، فلا تسلط علي هذا الكافر فاستجاب الله عز وجل دعاءها وحفظها من هذا الملك فكان كلما حاول أن يقترب منها شلت يده فنادي علي جنوده وقال لهم
إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما آتيتموني بشيطان ، وقبل أن تخرج سارة من القصر أمر الملك أن يعطوها خادمة لها من خدم القصر فأعطوها هاجر وكانت فتاه
مصرية طيبة تتحلي بأخلاق حسنة فعادت بها سارة إلي إبراهيم فأخذ إبراهيم سارة وخادمتها هاجر وعاد إلي فلسطين .وبعد مدة من الزمن شعرت سارة بأن
إبراهيم يريد ولداً وذرية طيبة وكانت تعلم أنها عاقر لا تلد ، فطلبت منه أن يتزوج خادمتها هاجر ، لعل الله أن يرزقه منها الولد ، فتزوج إبراهيم عليه السلام
هاجر .. فحملت وأنجبت له ولده إسماعيل عليه السلام ..
يقين .. وتوكل
بعد أيام من ولادة إسماعيل عليه السلام جاء الأمر من الله عز وجل إلي إبراهيم عليه السلام أن يأخذ هاجر وابنها الرضيع ويرحل بهما من فلسطين إلي صحراء
مكه وسط الجزيرة العربية .. ويتركهما هناك ويعود إلي فلسطين ، ولا يخاف عليهما من شئ ، فالله عز وجل سوف يحفظهما ويرعاهما ..
فقام إبراهيم عليه السلام بإعداد قافلة صغيرة تضم الخليل إبراهيم وهاجر وابنهما إسماعيل الرضيع .. وتحركت القافلة من فلسطين تسير فى صحراء
شاسعة .. وسط جبال ورمال لا آخر لها .. حتي وصلت أرض الحجاز .. وكانت فى ذلك الوقت صحراء جرداء خالية من معالم الحياة
لا زرع فيها ولا ماء ليس بها طعام ولا إنسان ولا شئ .. فاستقرت القافلة الصغيرة فى ذلك المكان المهجور .. ووضع الخليل إبراهيم عليه السلام
أهله فى تلك الصحراء القاحلة .. وليس معهما إلا جراباً من التمر وقربة صغيرة بها ماء .. ثم أدار وجهه يريد الرجوع إلي فلسطين فقامت هاجر
خلفه تنادي عليه وهي خائفة علي نفسها وعلي رضيعها فى هذا المكان الموحش ، فقالت : ياإبراهيم .. أين تذهب وتتركنا فى هذا الوادي الذي ليس فيه
أنيس ولا شئ ..؟ فلم يرد عليها إبراهيم عليه السلام ولم يلتفت نحوها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا ..؟
فقال : نعم .. وهنا ثبتت المرأة المؤمنة ، وعلمت بقلبها أن الله لن يضيعها هي وابنها ، فقالت فى ثقة : إذن لن يضيعنا الله .
ثم رجعت هاجر بابنها وجلست ليس معها إلا الله ، بينما سار إبراهيم فى طريقة حتي اختفي عن عينها ، فرفع يديه إلي السماء ودعا ربه قائلاً : ربنا إني
أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ..
ثم استكمل رحلته عائداً إلي فلسطين حيث زوجته السيدة سارة .
الرضيع المبارك
مكثت هاجر فى الصحراء ، ليس معها إلا الله عز وجل وابنها الرضيع وظلت تأكل من التمر وتشرب من الماء وترضع ابنها الصغير حتي نفد التمر والماء
فعطشت وعطش ابنها فتركته وقامت تبحث عن الماء .. فمشت حتي وصلت جبل الصفا فصعدت فوقه ثم نظرت إلي الوادي لعلها تري بئراً أو قافلة معها
طعام أو ماء ..فلم تجد شيئاً ..فهبطت إلي الوادي ثم سارت فى اتجاه جبل المروة فصعدته ونظرت لتري أحداً ينقذها وابنها من الهلاك فلم تجد شيئاً أيضا
فنزلت وهي تبكي ..وأسرعت إلي الصفا ثم عادت إلي المروة وظلت هكذا تنتقل من الصفا والمروة ومن المروة الي الصفا .. سبع مرات دون أن
تتوقف عن الدعاء والتضرع لله أن يغيثها وابنها مما هما فيه .. حتي تعبت وشعرت بالإجهاد .. فعادت إلي ابنها باكية .. وما إن وصلت إليه حتي
أدركتها رحمة الله عز وجل حيث نزل جبريل عليه السلام وضرب الأرض بجناحه فتفجرت بئر زمزم تحت أقدام الرضيع المبارك إسماعيل عليه السلام وتدفق
الماء العذب .. فشربت هاجر وسقت ابنها وملأت سقاءها وشكرت الله عز وجل علي فضله ونعمته .. وعاشت مع ابنها بجانب ذلك الماء المبارك .
وبعد أيام قليلة ..جاءت قافلة عربية من قبيلة جرهم اليمنية فرأت بئر زمزم فتعجبوا من هذه البئر التي لم تكن موجودة قبل ذلك ووجدوا السيدة هاجر تجلس
بجوار البئر ، فاستأذنوها فى الإقامة معها ، فأذنب لهم ، فعاشوا بجوار البئر ، وتربي إسماعيل عليه السلام بينهم وتعلم اللغة العربية ، وربته أمه تربية حسنة
وغرست فيه الخصال الطيبة والأخلاق الحميدة حتي كبر وصار غلاماً يسعي في مساعدة أمه وكان أبوه إبراهيم عليه السلام يزوره من وقت إلي آخر يطمئن
عليه ويرشده إلي تعاليم الدين الحنيف دين الله .
يتبع
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@