[size=21]سورة يونس- مكية - عدد آياتها 109
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)(
الر) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
هذه آيات الكتاب المحكم الذي أحكمه الله وبيَّنه لعباده.أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ
صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)أكان أمرًا عجبًا للناس إنزالنا الوحي بالقرآن على رجل منهم ينذرهم عقاب الله, ويبشِّر
الذين آمنوا بالله ورسله أن لهم أجرًا حسنًا بما قدَّموا من صالح الأعمال؟ فلما أتاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي الله وتلاه عليهم,
قال المنكرون: إنَّ محمدًا ساحر,
وما جاء به سحر ظاهر البطلان.
إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ
مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3)إن ربكم الله الذي أوجد السموات والأرض في ستة أيام, ثم استوى -
أي علا وارتفع-
على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته, يدبر أمور خلقه, لا يضادُّه في قضائه أحد,
ولا يشفع عنده شافع يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن له بالشفاعة, فاعبدوا الله ربكم
المتصف بهذه الصفات, وأخلصوا له العبادة. أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الآيات والحجج؟
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)إلى ربكم معادكم يوم القيامة جميعًا, وهذا وعد الله الحق, هو الذي يبدأ إيجاد الخلق ثم
يعيده بعد الموت, فيوجده حيًا كهيئته الأولى, ليجزي مَن صَدَّق الله ورسوله, وعمل
الأعمال الحسنة أحسن الجزاء بالعدل. والذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله لهم
شراب من ماء شديد الحرارة يشوي الوجوه ويقطِّع الأمعاء, ولهم عذاب موجع بسبب
كفرهم وضلالهم.
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ
مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)الله هو الذي جعل الشمس ضياء, وجعل القمر نورًا, وقدَّر القمر منازل, فبالشمس تعرف
الأيام, وبالقمر تعرف الشهور والأعوام, ما خلق الله تعالى الشمس والقمر إلا لحكمة
عظيمة, ودلالة على كمال قدرة الله وعلمه, يبيِّن الحجج والأدلة لقوم يعلمون الحكمة
في إبداع الخلق.
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)إن في تعاقب الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض من عجائب الخلق وما
فيهما من إبداع ونظام, لأدلة وحججًا واضحة لقوم يخشون عقاب الله وسخطه وعذابه.
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا
غَافِلُونَ (7)إن الذين لا يطمعون في لقائنا في الآخرة للحساب, وما يتلوه من الجزاء على الأعمال
لإنكارهم البعث, ورضوا بالحياة الدنيا عوضًا عن الآخرة, وركنوا إليها, والذين هم
عن آياتنا الكونية والشرعية ساهون.
أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)أولئك مقرُّهم نار جهنم في الآخرة; جزاء بما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي
جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات يدلهم ربهم إلى طريق الجنة ويوفقهم
إلى العمل الموصل إليه؛ بسبب إيمانهم ، ثم يثيبهم بدخول الجنة وإحلال رضوانه عليهم,
تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم.
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (10)دعاؤهم في الجنة التسبيح (
سبحانك اللهم)، وتحية الله وملائكته لهم, وتحية بعضهم
بعضًا في الجنة (
سلام)، وآخر دعائهم قولهم: "الحمد لله رب العالمين"
أي: الشكر
والثناء لله خالق المخلوقات ومربِّيها بنعمه.
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ
لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) ولو يعجِّل الله للناس إجابة دعائهم في الشر كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة لهلكوا,
فنترك الذين لا يخافون عقابنا, ولا يوقنون بالبعث والنشور في تمرُّدهم وعتوِّهم,
يترددون حائرين.
وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ
يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)وإذا أصاب الإنسانَ الشدةُ استغاث بنا في كشف ذلك عنه مضطجعًا لجنبه أو قاعدًا
أو قائمًا, على حسب الحال التي يكون بها عند نزول ذلك الضرِّ به. فلما كشفنا عنه
الشدة التي أصابته استمرَّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضر, ونسي ما كان فيه
من الشدة والبلاء, وترك الشكر لربه الذي فرَّج عنه ما كان قد نزل به من البلاء, كما
زُيِّن لهذا الإنسان استمراره على جحوده وعناده بعد كشف الله عنه ما كان فيه من الضر,
زُيِّن للذين أسرفوا في الكذب على الله وعلى أنبيائه ما كانوا يعملون من معاصي الله
والشرك به.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ
نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)ولقد أهلكنا الأمم التي كذَّبت رسل الله من قبلكم -
أيها المشركون بربهم- لـمَّا أشركوا,
وجاءتهم رسلهم من عند الله بالمعجزات الواضحات والحجج التي تبين صدق مَن جاء بها,
فلم تكن هذه الأمم التي أهلكناها لتصدق رسلها وتنقاد لها, فاستحقوا الهلاك, ومثل ذلك
الإهلاك نجزي كل مجرم متجاوز حدود الله.
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)ثم جعلناكم
-أيها الناس- خَلَفًا في الأرض من بعد القرون الـمُهْلَكة,
لننظر كيف تعملون:
أخيرًا أم شرًا, فنجازيكم بذلك حسب عملكم.